حوار واقعي…
وصل هادي إلى البيت، دون موعد كعادته في السنة الأخيرة، فترة حرب الإسناد، هذا في الوقت الذي أصبحت زياراته للبيت لا تزيد عن الربع ساعة.
وكما أخبروني أصدقاءه أنه عندما يكون خارجا من المكان المتواجد فيه، فيسأله أحدهم : لوين يا بوعلي. يرد باسماً :رايح آخد الرضا.
في هذا اليوم لا أذكر تاريخه، ولا أي تفصيل، سوى حوارنا، وبسمته ولون الذهب في شعره.
دخل غرفتي مستأذناً، والنور يشع من وجهه، وشعره يلمع كالذهب.
استقبلته بعبارة : تبارك الرحمان، ما شاء الله، كم تزداد جمالاً.
قال لي! هذا لأنّك أمي، تريني بهذا الشكل.
أجبته بالنفي وأنني مصرّة على رأيي بأنّه يشع كالبدر في ليلة كماله، وأنّه يتراءى كالبلور، فأرى جماله الداخلي، كبراعم الورد في أوائل فصل الربيع.
تبسّم بسمته المعهودة ونظر بوجهي نظرة تأمل يشع فيها بريق المحبة والامتنان.
قلت له : هادي، هل تعلم بأنّني أحبك، إلى حدٍ لو مرّ النسيم على غرّتك وشعرك الجميل وأزعجك فإني أنزعج من صميم روحي.
ضحك مجددا وسألني سؤاله المعهود : ماما انت راضية عني.
ضحكت أنا وقلت له طبعا، ولماذا هذا الإصرار دائما على هذا السؤال.
وقلت له متل ما كانت تقول أمي :رضيانة عليك، رضا قلبي وربي.
وبعدها :طيّب إنت زعلانة مني من شي.
مجددا أضحك وأجيبه بالنفي، وفي قلبي كان جوابي الحقيقي : أكثر من الرضا بكثير، بل بالامتنان، وشعوري بأنّه كان ملاكاً أكثر من الملائكة.
هذا الإصرار على رضانا أنا ووالده، لأنّه كان مصراً عليه بطريقةٍ غريبة.
جعلت والده يقوم بالمستحيل للحضور قبل مواراته في الثرى، فأتى من إيران كالهائم على وجهه، في وقتٍ تم إلغاء طائرة بيروت، فأتى إلى دمشق، ومنها إلى البقاع، متنقلا بين زحمة السيارات ركضاً، والمشيعين ينتظرونه في المقبرة، وطريق القدوم شبه مغلق من زحمة النارحين، والطائرات الحربية في السماء.
وبعد وصوله: وصل إلى الجثمان الطاهر مودّعا : الله يرضى عليك يا ابني.
أنا رضيان عليك وأكثر، أنا ممتنٌ لك، وأنا صغيرٌ أمامك.
وألقى فوقه سبحته، التي كان يسبّح فيها تسبيحة الزهراء، وحملها معه في المقامات المقدّسة.
بأمان الله يا ولدي، أوصل سلامنا لأمنا فاطمة صلوات الله عليها.
نقلا عن والدة الشهيد السعيد هادي ابو زيد