سَأَكْتُبُ رِوَايَتِي بِعُنْوَانِ شَهِيدِي.
فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، خَضَعَ عَلِيٌّ لِعَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ خَطِرَةٍ وَكَانَ وَضْعُهُ حَرِجًا جِدًّا، وَبَقِيَ شَهْرًا فِي الْمُسْتَشْفَى. وَفِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، طَلَبَ عَلِيٌّ مِنَ الطَّبِيبِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمُسْتَشْفَى عَلَى عَاتِقِهِ الشَّخْصِيِّ، بَعْدَ أَنْ زَادَ شَوْقُهُ لِجَوِّ الْأُسْرَةِ وَخَاصَّةً بَنَاتِهِ، وَلِكَيْ لَا يَشْعُرُوا بِالْقَلَقِ.
وَبَعْدَ فَتْرَةٍ، تَأَزَّمَ وَضْعُهُ الصِّحِّيُّ وَتَحَوَّلَ الْاِلْتِهَابُ إِلَى تَشَمُّعِ كَبِدٍ بِشَكْلٍ سَرِيعٍ، وَكُنْتُ لِطَالَمَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ وَأَقُولُ لَهُ: “أَنْتَ يَا أَبَا حَسَنٍ لَنْ تَمُوتَ عَلَى فِرَاشِ الْمَرَضِ، لَكِنَّ اللَّهَ سَيَخُصُّكَ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّكَ أَهْلٌ لَهَا”، وَكُنْتُ أُكَرِّرُهَا دَائِمًا.
وَفِي آخِرِ أُسْبُوعٍ لَنَا قَبْلَ بَدْءِ الْحَرْبِ، كَانَ لَدَيْهِ مَوْعِدٌ عِنْدَ الطَّبِيبِ بِمُسْتَشْفَى أُوتِيل دِيُو، وَقَدْ أَخْبَرَهُ الطَّبِيبُ أَنَّ الْوَضْعَ لَيْسَ مُسْتَقِرًّا، وَأَنَّ هَذَا التَّشَمُّعَ بَعْدَ فَتْرَةٍ سَيَتَحَوَّلُ إِلَى كُتَلٍ سَرَطَانِيَّةٍ. وَعَادَ عَلِيٌّ إِلَى الْمَنْزِلِ، سِرُّهُ فِي قَلْبِهِ وَبِسْمَتُهُ تَمْلَأُ وَجْهَهُ النُّورَانِيَّ وَكَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَحْصُلْ، لَكِنَّهُ كَانَ يَتَمَنَّى أَنْ لَا يَذْهَبَ عُمُرُهُ الْجِهَادِيُّ هَبَاءً.
وَفِعْلًا بَدَأَتِ الْحَرْبُ، وَكَانَ أَبُو حَسَنٍ الْبَدْرَ الْأَوَّلَ الَّذِي سَطَعَ خَبَرُ شَهَادَتِهِ بَيْنَنَا، وَكَانَتْ رَائِحَةُ الْمِسْكِ الدَّلِيلَ الْأَجْمَلَ عَلَى مَكَانِ جُثْمَانِهِ.
وَهَكَذَا اِنْتَهَتْ قِصَّتُنَا، وَرَحَلَ الشَّهِيدُ عَلِيٌّ لِيَتْرُكَنَا أَنَا وَبَنَاتِهِ وَحِيدِينَ.
وَأَخِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ، وَجَعَلَنَا اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى فِرَاقِكَ يَا نُورَ الْعَيْنِ، وَمِنَ الَّذِينَ يُخَصُّهُمُ اللَّهُ بِعَيْنِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا.
زوجة الشهيد علي حسن ضيا – صير الغربية