على طول جبهة المساندة لغزّة وأطفالها المُستضعفين، كانَ “حُسين” من الخيرة التي لبّت نداءً سمعناه في مجالس الحسين (ع) :” ألا، هل من ناصرٍ ينصرني”.
تفانى بعمله طوال تلك المُدّة، لم يكن يقرّ له قرار، قد بذل في نصرة تلك القضيّة جُلّ وقته، كانت والدته وزوجته ترتقبان صوت مفاتِحه على درج المنزل، لتستعلما عن وصوله بخير، فقد كان الطّيران المُسيّر لا يفارقُ عنان السّماء، وما إن يصل حتّى تركضُ إبنتاهُ إلى حضنه سريعًا شوقًا إلى رؤيته وأنسًا به، ف “حسين” الشّديد على أعداءه “أعداء الله”، رحيمٌ بارٌّ وعطوفٌ على عياله لم يكن يُظهِر أدنى تعبٍ من العمل أمامهم، يلاعبهما قليلًا ويجلسُ على أريكته حتّى تستسلمان للنّوم ويسلّم لتعبه، ذلك التّعب رغم كثرته وصعوبته لم يكُن يغيّرُ مزاجهُ اللّطيف مع من يلتقي، ولا يترك “الزيارة مع صفحةٍ من القرآن الكريم”.
في كلّ يوم يأتي ويذهب للعمل ويؤمّنُ الكثير من التّحضيرات “للشّباب” من دون أن يحسّ أحدٌ بذلك، وعندما يأتي ويبادره أحد بسؤال “ما حال ملابسك؟ ” يكتفي بإجابة “إنها القليل من ترابِ زيتون أرض الجنوب!”، نعم لقد حفظتهُ أشجار زيتون حقلهم حينما كان يهبّ لمساعدة أهله في القطاف، من دون أن يدري أنّه سيكون القِطاف الأجمل فيما بعد!
بدأت سلسلةُ الغارات على قُرى جنوب لُبنان، ثبُت المجاهدون المخلصون كلٌّ بما يقتضيه عمله وحيثُما يجب أن يكون، الصّامد ” حسين” كان كما كلّ مجاهدٍ صامد تحت أعين مسيّرات العدوّ ونيران غاراتهِ الغاشمة، تظلّلهم عينُ اللّطف الإلهيّة؛ وبعد أن استلم كلٌّ مهامه وباشر بعمله، كانت مسؤولية ومهمة “حسين” واحدة ولكنّ عشقهُ وشوقهُ دفعاه للعمل بأكثر من مهمّةٍ ومسؤولية بالكثير من الإخلاص والتّفاني..
في عصر أحد أيّام الحرب، كان على “حسين” التّوجّه لأحد النّقاط المعيّنة في البلدة، عند أحد أصدقاءه المجاهدين لتأدية أحد الأعمال، ولم يستطع الخروج من ذلك المكان بعد إنهاءه لعمله هناك بسبب الطّيران المسيّر المراقِب، فارتقبا ورفيقه حتّى يستطيع الخروج من ذلك المكان والعودة حيثُ يجب.
مضت تلك اللّيلة بالكثير من المتابعة والعمل، والمناجاة ودعاء اللّه بالعون والمدد، ولا ننسى ترنيمة “زيارة عاشوراء”، وقد كانَ صباحُ ذلك اللّيل، أن نالَا معًا ما كانا يرجوانه من اللّه دائمًا، قد سعِدا بنيل إحدى الحُسنين على طريق النّصر الطّويل..
“حسين؛ هل ترى كلّ هذا النّور”
“موسى؛ نعم يا أخي أنا ذاهبٌ إلى مولاي فقد طال اشتياقي إليه”
“هوّن عليكَ يا رفيقي، قد وصلنا، وطابَ الوُصول..”
